المقدمة:
اذا كان للقانون الإداري علاقة
مع القانون الدستوري ومع القانون الجنائي ومع القانون المدني وكذلك قانون الإجراءات
المدنية و القانون المالي و القانون الدولي العام وفروع أخرى من القانون، فإنّ هذه
العلاقة في حد ذاتها تؤكد تميّز القانون الإداري عن بقية فروع القانون الأخرى سواء
من حيث نظام المنازعات و غيرها من أوجه التمييز المختلفة. وهو ما يثبت استقلاله عن
مجموع فروع القانون العام (الدولي و الجنائي و الإجراءات المدنية والمالي) ومجموع فروع
القانون الخاص ومنها القانون المدني وقانون الأسرة.
وطالما أثار القانون الإداري باعتباره مجموعة قواعد غير مألوفة في مجال القانون
الخاص إشكالا فيما يتعلق بمفهومه الضيق أو الفني. ونجم عن هذه الإشكالية ظهور تيار
معاد للقانون الإداري ومنكر له، فانّ مثل هذا التصور انتقل لمجال الاستقلالية بين المدرسة
الأنجلوسكسونية و المدرسة اللاتينية.
ومن هنا نطرح الاشكالية ماهية القانون الادراي وخصائصه واستقلاليته ؟
خطة بحث
مقدمة:
المبحث الأول: ماهية القانون الإداري وخصائصه
المطلب الأول : التعريف بالقانون
الإداري
المطلب الثاني:: خصائص ومميزات
القانون الاداري
المبحث الثاني: استقلالية القانون الاداري
المطلب الأول : استقلالية
القانون الاداري
المطلب الثاني : اسباب استقلالية
لقانون الاداري
المطلب الثالث : علاقة
القانون الاداري بالقوانين الاخرى
الخاتمة
المبحث الاول : ماهية القانون الاداري
المطلب الأول:
المفهوم الواسع للقانون الإداري.
يمكن تعريف القانون الإداري من هذه الزاوية علىأنّه مجموعة من القواعد القانونية
الّتي تحكم الإدارة العامة من حيث تنظيمها ونشاطها وأموالها وما يثيره هذا النشاط من
منازعات.
والقانون الإداري إذا نظرنا إليه منالجانب الوصفي و العضوي أو الهيكلي نجده
في كل دولة على اختلاف توجهاتها وأنماط تسييرها. فكل دولة لها جهازها الإداري الّذي
يخضع دون شك لقواعد القانون، سواء من حيث التنظيم والنشاط و الأموال و الرقابة و ضبط
المنازعات و غيرها من المسائل.غير أنّ الاختلاف بين الدول تمحور بالأساسهل يجب أن تخضع
الإدارة لنفس القواعد الّتي يخضع لها الأفراد، أم أنّه ينبغي ولاعتبارات معيّنة أن
تخضع لقواعد متميزة غير مألوفة لدى الأفراد؟
ففي البلاد الأنجلو سكسونية يخضع نشاط الإدارة لذات القواعد الّتي تحكم نشاط
الأفراد و الهيئات الخاصة. وهذا يعني أنّ الإدارة تخضع لقواعد القانون الخاص (المدني
و التجاري)، وإذا نتج عن هذه العلاقة منازعة خضعت لذات القواعد و الإجراءات الّتي تسري
على الأفراد و يفصل فيها أمام نفس الجهة القضائية التي يمثل أمامها كل الأشخاص،لذا
فانّ الميزة الأساسية في هذه الدول أنّها نظرت للقانون ككل نظرة واحدة، فهو لا يختلف
بالنّظر لطبيعة الشخص (شخص من أشخاص القانون العام أو شخص من أشخاص القانون الخاص).
فالقانون واحد لا يتغير بالنظر لطبيعة الشخص.هذا ويجدر التنبيه أنّ الفقه الإنجليزي
ينبذ فكرة القانون الإداري بالمفهوم الفرنسي على اعتباره أنّه من صور تسلّط الإدارة.
كما أنّه يشكل انتهاكا صارخا لمبدأ المساواة أمام القانون، ولمبدأ الفصل بين السلطات
هذا الأخير الّذي يفرض خضوع الإدارة كالأفراد تماما لنفس الجهة القضائية، فوحدة القانون
في نظرهم هي أكبر ضمانة ضد تعسف الإدارة.
ومما يذكر في هذا المجال ما كتبه الفقيهDicey بخصوص
القانون الإداري الفرنسي في مؤلفه مدخل للقانون الدستوري سنة 1839 قال: "إنّ القانون
الإداري خطير على الحريات الفردية وإنّه لمن رواسب النّظام السابق للثورة وإنّ البلاد
الإنجليزية لا ترغب في أن يكون لها مثل هذا النوع من القانون". و يرى بعض الكتاب
أنّ البلاد الإنجليزية وإن كانت قد رفضت فكرة القانون الإداري من حيث المبدأ، إلا أنّها
بادرت في المدة الأخيرة إلى إنشاء محاكم خاصة عهد لها مهمة البتّ في منازعات إدارية
محدّدة وهذا ما يدل على مؤشر تبنّيها واستقبالها لفكرة القانون الإداري.
و الحقيقة أنّ هذا المسعى لم يعزز بمساع أخرى ولم يحدث ترسيخه إلى حد الآن.
ولقد تبعت دول كثيرة انجلترا في توجهها مثل أستراليا و نيوزيلاندا، ودول من العالم
الثالث مثل الهند و بعض الدول الإفريقية. وعلى خلاف ذلك رأت دول أخرى و على رأسها فرنسا
أنّه من الضروري التمييز بين القواعد القانونية الّتي يخضع لها الأفراد وسائر أشخاص
القانون الخاص، والقواعد الّتي تخضع لها الإدارة. وتأسيسا على هذا الاختلاف و التباين
في المواقف وجب أن يكون للقانون الإداري مفهوم واسع شامل مطلق وآخر ضيق فني خاص. ويقصد
بالمفهوم الواسع للقانون الإداري: " مجموع القواعد القانونية التي تحكم الإدارة
العامة سواء كان مصدرها القانون الخاص أو القانون العام بل وحتى إن كان مصدرها القانون
الخاص وحده ". ويترتّب على إعمال هذا المفهوم القول بأنّ القانون الإداري موجود
في كل الدول لأنّه لا يتصور وجود دولة دون إدارة عامة.
محاضرات في القانون الإداري
مدخل لدراسة القانون الإداري
الأستاذ الدكتور عمار بوضياف
المفهوم الضيق:
يقصد بالقانون الإداري بالمفهوم الضيق مجموع القواعد القانونية المتميّزة والمختلفة
عن قواعد القانون الخاص الّتي تحكم الإدارة العامة من حيث تنظيمها ونشاطها وما يترتّب
على هذا النشاط من منازعات.
ومن هنا نخلص إلى القول أنّ القانون الإداري بالمعنى الضيّق هو القانون الإداري
الحقيقي الذي نقصده. فهو ليس مجرّد تسمية لقانون يحكم الإدارة العامة، بل هو قانون
متميّز يحتوي على أحكام خاصة مختلفة عن قواعد القانون الخاص. وهذا المفهوم هو الذي
سيلازمنا من خلال هذه الدراسة.
ولعلّه من الفائدة أن نشير و نحن بصدد توضيح المفاهيم أنّ الإدارة العامة لا
تخضع في كل معاملة ونشاط للقانون الإداري وحده، بل قد يحكمها القانون الخاص في مواضع
وحالات معينة، ذلك أنّ الإدارة حينما أحيطت بقواعد متميّزة كان ذلك بالنظر لأنهّا تمثل
سلطة عامة، و تدير مرفقا عاما، وتمارس نشاطا متميزا، و تستخدم أموالا عامة، و تهدف
إلى تحقيق مصلحة عامة، فان هي فقدت هذا الموقع وابتعدت عن هذا النشاط (النشاط المتميز)
خضعت للقانون الخاص ولم تعد هناك حاجة لإخضاعها للقانون العام وإحاطتها بقواعد متميّزة
وبقضاء خاص مستقل.
وإذا كان خضوع الدولة
للقانون مبدأ مستقر ومسلم به في مختلف الأنظمة على اختلاف أنواعها، فان هذا المبدأ
يفرض خضوع الإدارة للقانون، ولا يعد انتهاكا لهذا المبدأ أن تحظى الإدارة بأحكام متميزة
غير معروفة في مجال القانون الخاص كما لا يعد مساسا بمبدأ المساواة أمام القضاء أن
تحظى الإدارة بقضاء مستقل لأن الدولة أو بعبارة أخرى أدق السلطة العامة تختلف من حيث
طبيعتها عن الأفراد. و تبعا للمفهوم الضيّق و الفني للقانون الإداري فان هذا الفرع
من القانون يعتني بالجهاز الإداري للدولة فيحكم المسائل التالية:
1- تنظيم السلطة الإدارية:
يتكفّل القانون الإداري بتنظيم السلطة الإدارية و تحديد طبيعتها هل هي سلطة مركزية
تربط موظفي الأقاليم بتوجيهات وأوامر رؤسائهم الإداريين (تركيز السلطة) أم أنّها سلطة
موزعة تباشر كل هيئة مهامها تحت إشراف الجهة الوصية ورقابتها (لامركزية السلطة).
2- نشاط الإدارة: ويتجلى
في صورتين:
- الضبط الإداري. - المرفق العام.
3- أساليب الإدارة: وتظهر
في:
- إصدار القرارات الإدارية
(نظرية القرار) - إبرام الصفقات
(نظرية العقود).
4- وسائل الإدارة:وتنحصر
في الوسيلة البشرية و الوسيلة المادية.
- نظرية الموظف العام. - نظرية المال العام.
- منازعات الإدارة: وتشتمل
الجهة القضائية المختصة بالفصل في المنازعات ذات الطابع الإداري وكذلك الجوانب الإجرائية
الواجبة الإتباع.
محاضرات في القانون الإداري
مدخل لدراسة القانون الإداري
الأستاذ الدكتور عمار بوضياف
المطلب الثاني :
خصائص القانون الإداري:
يتميّز القانون الإداري بمجموعة خصائص أضفت عليه طابعا مميزا و جعلت منه قانونا
مستقلا وله ذاتيته الخاصة. ومن هذه الخصائص أنه حديث النشأة يتسم بالمرونة ودائم الحركة
كثير التطور إلى جانب ذلك أنّه قانون غير مقنن ومن منشأ قضائي نوجز هذه الخصائص فيما
يأتي:
1. القانون الإداري حديث النشأة:
سبق القول عند الحديث عن نشأة القانون الإداري أنّ هذا الفرع من القانون ظهر
للوجود على يد محكمة التنازع ومجلس الدولة الفرنسيين ابتداء من المرحلة التي أعترف
فيها لمجلس الدولة بالسلطة التقريرية ولم يعد جهة رأي واقتراح.
ومعنى ذلك أنّه قبل 1872 لا يمكن الحديث في علم القانون عن فرع اسمه القانون
الإداري بالمعنى الفني كمجموعة قواعد استثنائية غير مألوفة في مجال القانون الخاص تحكم
نشاط الإدارة و تنظيمها ومنازعاتها. ولقد قلنا
سابقا أنّ نشأة هذا القانون بالذات ارتبط بالظروف السياسية التي مرت بها فرنسا. وهذا
أمر طبيعي طالما كان القانون الإداري يحكم السلطة التنفيذية في تنظيمها و عملها وعلاقاتها
و منازعاتها.
ولا شك أنّ هذه السلطة في الزمن السابق للثورة كانت على الغالب الأعم لا تخضع
للرقابة القضائية. ولا يسأل أعوانها عما سببوه من ضرر للغير. ومع التطور الذي طرأ على
المجتمع الفرنسي خاصة بعد الثورة أصبحت الإدارة تسأل عن أعمالها التي تسبب ضررا للغير.
وتخضع في نشاطها للرقابة القضائية. وهو ما ثبت عملا كما رأينا في قضية بلانكو الشهيرة.[1]
وهكذا فإن تغير نمط الحكم في فرنسا عقب الثورة وما تبعه من تشريعات كان له أثر
كبير في ظهور القواعد الغير مألوفة أو القانون الإداري بالمعنى الفني. وحري بنا التنبيه
أنّ حداثة نشأة هذا الفرع من القانون شكلت ولو نسبيا عائقا يقف وراء غموض كثير من مصطلحاته
إلى غاية اليوم نذكر منها المرفق العام والسلطة العامة و المنفعة العامة...الخ
ورغم الجهود المبذولة من قبل الفقه و القضاء في فرنسا وخارجها فان بنيان هذه
القانون لم يكتمل بعد.
2- القانون الإداري
يتسم بالمرونة و التطور:
لماّ كان القانون الإداري يهتم أساسا بالإدارة العامة ويحكم نشاطها فانّه تبعا
لذلك وجب أن يكون قانونا متطورا لا يعرف الاستقرار[2] ذلك أنّه ما صلح للإدارة اليوم
قد لا يكون كذلك في وقت لاحق. وتأسيسا على
ذلك وجب أن يتكيف هذا القانون مع متطلبات الإدارة وفقا لما يتماشى ووظيفتها في إشباع
الحاجات العامة للجمهور. وهذا الهدف وحده نراه في حركة دءوبة ودائمة. الأمر الذي سينعكس
في النهاية على أحكام ومبادئ القانون الإداري فيجعلها قابلة للتطور و التغيير.
1] الدكتور عوابدي
عمار، دروس في القانون الإداري، الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، 1990 ص66.
ولا تفوتنا الإشارة أنّ التقدم العلمي و التكنولوجي أيضا يساهم في إنشاء نشاطات
إدارية مختلفة و التحكم فيها. فالاختراعات العلمية و الاكتشافات الكثيرة و المتنوعة
وما لازمها من ظهور لمشروعات متنوعة أدى إلى تدخل الدولة لمباشرة هذه النشاطات والإشراف
والرقابة عليها بما يؤدي إلى سيطرتها على مختلف أوجه النشاط وتنظيم الحركية الاقتصادية
بهدف إشباع الحاجات العامة للجمهور.
3- القانون الإداري
غير مقنن:
يقصد بالتقنين تجميع رسمي لأهم المبادئ القانونية بخصوص مسألة معيّنة في منظومة
تشريعية كأن نقول القانون المدني أو القانون التجاري أو البحري. والتقنين على هذا النحو
عملية تشريعية تتمثل في إصدار تشريع يضم المبادئ والقواعد التي تحكم فرعا معينا من
الروابط و العلاقات. ويظهر التقنين نتيجة جهود تقوم بها كل من السلطة التشريعية داخل
كل دولة وكذلك جهود السلطة التنفيذية. كما يساهم الفقه أيضا وكذلك القضاء بشكل غير
مباشر في ظهور التقنين.
ويأخذ ظهور التقنين زمنا غير قصير. وكلّما تضافرت الجهود من أجل صياغة تقنين
معين كلّما ظهر التشريع في صورة يخلو من الثغرات القانونية والأخطاء. ولاشك أنّ تقنين
القاعدة وتبيان ألفاظها وحصر معانيها يؤدي إلى وضوحها فيسهل على القاضي معرفة مقصد
المشرع ونيته من خلال ما أقره من قواعد مقننة. ومن ثمّ يسهل عليه الإلمام بها وتطبيقها
أحسن تطبيق.
ولقد سبق البيان أنّ التشريع في غير المجال الإداري يتسم بالثبات ولو نسينا
بحكم إمكانية التنبؤ بالعلاقة وما قد تثيره من إشكالات. ومن ثمّ فانّ مهمة المشرّع
تكون يسيرة وهو يضع قواعد للقانون المدني أو التجاري أو البحري. وخلاف ذلك تماما تكون
المهمة في غاية من التعقيد و العسر إن هو حاول حصر وجمع مختلف القواعد الّتي تنظم شتى
صور النشاط الإداري بمجالاته المختلفة. من أجل ذلك ذهب الدكتور سليمان محمد الطماوي
إلى القول: " إنّه لو قدر لهذا القانون أن يقنن لأصبح أكثر القوانين عرضة للتغيير
و التبديل...".[3]
و إذا ما أتينا لحصر الأسباب التي تحول دون تقنين القانون الإداري لأمكن جمعها
فيما يلي:
أ- حداثة نشأة هذا القانون: إنّ هذا القانون كما بينّا سابقا حديث النشأة فقواعده
لم تظهر إلا في أواخر القرن 18 ولازالت لحد الساعة في طور التكوين. وهذا خلافا لقوانين
أخرى كالقانون المدني و الجنائي و المالي يعود ظهورها إلى قرون خلت.
ب- مرونة النشاط الإداري: إنّ مرونة النّشاط الإداري وقابليته للتطور و صعوبة
التنبؤ بمختلف جوانب النشاط الإداري وما يحيط به من إشكالات قانونية، كلها عوائق تقف
دون إمكانية جمع مختلف أحكام ومبادئ القانون الإداري.
وإذا كان عدم التقنين يشكل أحد الخصائص التي تميّز القانون الإداري، فإنّه من
جهة أخرى يعتبره البعض عيبا من عيوب هذا القانون ذلك أنّ عدم التقنين ينجر عنه عدم
وضوح القواعد التي تحكم الإدارة العامة وعدم ثباتها مما يجعل في النهاية قواعد هذا
القانون سرية لا يعلمها إلا من تخصص في القانون الإداري أو كان على صلة مباشرة بالإدارة
مما يفقد أيضا الأفراد شعورهم بالاطمئنان خوفا من مراكزهم القانونية التي قد يصيبها
الاهتزاز.
1] الدكتور عوابدي عمار،
دروس في القانون الإداري، الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، 1990 ص66.
[2]
الدكتور محمد سليمان الطماوي، مبادئ القانون الإداري، ص 30.
[3]
راجع على سبيل المثال: ليلى زروقي، دور القاضي الإداري في مراقبة مدى احترام الإدارة
للإجراءات االمتعلقة بنزع الملكية الخاصة للمنفعة العامة، مجلة مجلس الدولة، العدد
3، 2003، ص 13 وما بعدها.
- القانون الإداري قانون
قضائي:
أجمعت مختلف الدراسات أنّ القضاء خاصة الفرنسي ممثلا في مجلس الدولة لعب دورا
رائد في إظهار القانون الإداري إلى حيز الوجود. ذلك أنّ مجلس الدولة وفي مرحلة القضاء
المفوض، حين عرضت عليه منازعات الإدارة رفض إخضاعها للقانون الخاص وفي غياب كامل لنصوص
أخرى تحكم نشاط الإدارة. الأمر الذي فرض عليه تقديم البديل وإيجاد النصوص الّتي تلائم
متطلبات الإدارة العامة. وشيئا فشيئا وحال فصله في المنازعات الإدارية المعروضة عليه
استطاع المجلس أن يرسي قواعد قانونية من العدم وعرف من خلالها كيف يوازن بين المصلحة
العامة أي حقوق الإدارة و سلطتها من جهة، وحقوق الأفراد من جهة أخرى. وهذه القواعد
أصطلح عليها فيما بعد بالقانون الإداري.
وتدفعنا ميزة المنشأ القضائي للقانون الإداري التمييز بين القاضي العادي والقاضي
الإداري. فالأول قاض تطبيقي أي أنّه يتولى تطبيق النصوص على القضايا المعروضة عليه.
فإذا كان النزاع مدنيا لجأ للقانون المدني وان كان تجاريا لجأ للقانون التجاري وهكذا...بينما
تتجلّى مهمة القاضي الإداري أنّه كأصل قاضي تأسيس و إبداع وإنشاء، فهو الذي يبدع القاعدة
في حال عدم وجودها و تطبيقها على النزاع المعروض عليه، وهي مهمة في غاية من الصعوبة.
من أجل ذلك تمتّع القاضي الإداري بسلطات أوسع من القاضي المدني، سلطات من شأنها
أن تساعده على إقرار قاعدة عادلة تحكم النزاع الذي بين يديه خاصة وأنّ أحد أطراف النزاع
سلطة عامة (السلطة التنفيذية) وتتمتع هي الأخرى بامتيازات وسلطات. ومن ثمّ كان لزاما
تزويد القاضي بسلطة أوسع لإخضاع الإدارة للقانون تكريسا وتطبيقا لمبدأ المشروعية.
1] الدكتور عوابدي
عمار، دروس في القانون الإداري، الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، 1990 ص66.
[2] الدكتور محمد سليمان
الطماوي، مبادئ القانون الإداري، ص 30.
[3] راجع على سبيل المثال:
ليلى زروقي، دور القاضي الإداري في مراقبة مدى احترام الإدارة للإجراءات االمتعلقة
بنزع الملكية الخاصة للمنفعة العامة، مجلة مجلس الدولة، العدد 3، 2003، ص 13 وما بعدها.
المبحث الثاني : استقلالية القانون الاداري
استقلالية القانون الاداري :
طالما أثار القانون الإداري باعتباره مجموعة قواعد غير مألوفة في مجال القانون
الخاص إشكالا فيما يتعلق بمفهومه الضيق أو الفني. ونجم عن هذه الإشكالية ظهور تيار
معاد للقانون الإداري ومنكر له، فانّ مثل هذا التصور انتقل لمجال الاستقلالية بين المدرسة
الأنجلوسكسونية و المدرسة اللاتينية.
وإذا كانت النظم الأنجلوسكسونية كما رأينا لا تعترف بالقانون الإداري بالمفهوم
الفني و المشار إليه فإنها لا تخلوا طبعا من نصوص خاصة تنظم هيكل الإدارة وتحكم نشاطها.
فلا يتصور تسيير شؤون الدولة دون نصوص تحكم الإدارة. فالإدارة العامة في النظام الإنجليزي
مثلا تتمتع هي الأخرى بسلطة نزع الملكية للمنفعة العمومية شأنها في ذلك شأن الإدارة
العامة في النظام الفرنسي، إذن أين يكمن وجه الاختلاف بين النظام الأنجلوسكسوني و النظام
اللاتيني؟
إن وجه الاختلاف بين النظامين يكمن في النظرة للسلطة أو الإجراء الإداري في
حد ذاته. ففي النظام الأنجلوسكسوني يشكل النزع استثناء يرد على مبدأ عام هو خضوع الدولة
و هيئاتها لذات القواعد التي يخضع لها الأفراد. أمّا في النظام
الفرنسي وما تبعه من دول فانّ الوضع عكس ذلك تماما، إذ المبدأ العام هو خضوع
الدولة و هيئاتها لقواعد استثنائية غير معهودة في مجال روابط القانون الخاص، واستثناء
هو خضوعها لقواعد القانون الخاص.
وهذا التمييز يشكل وضعا عاديا طالما اعترف النظام الفرنسي بتعدّد وتنوع القواعد
القانونية، بل و بتنوع و تعدد الجهات القضائية.
وإذا كان القانون الإداري كما بينّا يتمتع بكيانه المستقل وذاتيته، فإنّ هذا
الكيان المستقل، لا يمنع من أن يستلهم القانون الإداري بعض أحكامه من القانون الخاص
إذا قدرت الجهة القضائية المختصة ذلك ورأت أنّ هذه القواعد المقتبسة تلائم روابط القانون
العام.
وتجدر الإشارة أنّ استقلال القانون الإداري عن القانون الخاص لا تتجلّى إلا
إذا تأكد استقلاله خاصة عن القانون المدني[1] عندها يمكن القول أنّه قانونا بذاته له
نظرياته ومبادئه و قواعده الخاصة بدأ يظهر إلى الحيز الوجود.
فبعض قواعد القانون الإداري لا مثيل لها ولا مقابل على صعيد القانون المدني.
من ذلك أن الإدارة تتمتع بسلطة إصدار القرار الإداري بإرادتها المنفردة ويلزم الأفراد
بالخضوع لمضمون هذا القرار[2]. بينما على الصعيد المدني لا يستطيع الشخص جبر وإلزام
شخص آخر بعمل ما إلا إذا تعهد هو بالقيام به، فروابط القانون الخاص تبني أساسا على
مبدأ سلطان الإرادة. وتتمتع أيضا بسلطة تقييد الحريات العامة في مجال الضبط الإداري
فتستطيع حظر التجوال أو منع زيارة مناطق معينة. بينما لا نجد لمثل هذه السلطة شبيها
ومثيلا على صعيد القانون الخاص.
وتستطيع الإدارة طبقا لقواعد القانون أن تنزع ملكية فرد رغم أنّ حق الملكية
مضمون دستوريا شريطة احترامها لإجراءات النزع وضمانها لحقوق المنزوع ملكيته في المقابل
العادل و المنصف. ولا نجد لهذه السلطة آلية مماثلة في مجال القانون المدني الذي يقوم
أساسا على مبدأ عدم المفاضلة بين المصالح الخاصة خلافا للمجال الإداري الذي يفضل المصلحة
العامة على الخاصة.
1] لتفصيل أكثر راجع الدكتور محمد الصغير بعلي، المحاكم الإدارية،
المرجع السابق ص 21 وما بعدها.
[2] أنظر الدكتور عمار
بوضياف النظام القانوني لمحكمة تنازع الاختصاص في التشريع الجزائري المجلة القانونية
التونسية، 2003، ص 73 وما بعدها
و الإدارة عندما تقوم بهذه الأعمال المنفردة فإنها غير ملزمة كأصل عام بتسبب
قراراتها. كما أنّها تهدف بأعمالها هذه لتحقيق المصلحة العامة وهي من تشرف على تنفيذ
قراراتها. وهذا ما يجعل العمل الإداري يتميز عن النشاط المدني الذي يهدف دائما إلى
تحقيق مصلحة أفراده لا المصلحة العامة.
ويتميز العمل الإداري عن باقي أعمال السلطات الأخرى كعمل السلطة التشريعية وكذلك
عمل السلطة القضائية بما فرض مسألة إحاطته بقواعد خاصة ومميزة.[1]
وفي مجال التعاقد أو الروابط التعاقدية تملك الإدارة سلطة تعديل الصفقة العمومية
بالإرادة المنفردة. وهذا ضمن إطار قانوني اصطلح عليه في الجزائر بالملحق.كما تستطيع
فسخ العقد وتوقيع الجزاءات المالية. وهو أيضا ما لانجده في العقد المدني الذي يحكمه
مبدأ العقد شريعة المتعاقدين.
أمّا فيما تعلّق بنظام الأموال فقد حظي المال العام بحماية خاصة منعت كل تصرف
فيه أو حجزه أو تملكه بطريق التقادم وهو ما أشارت إليه صراحة المادة 689 من القانون
المدني الجزائري.
ولقد تجلت استقلالية القانون الإداري خاصة في الدول التي تبنت ازدواجية القضاء
كفرنسا ومصر و الجزائر. حيث تم استحداث مجلس للدولة ومحاكم إدارية[1] ومحكمة للتنازع.[2]
ومن المؤكد أنّ هذه الاستقلالية ستكرّس أكثر إذا ما تم سن قواعد منفصلة ومستقلة للإجراءات
الإدارية وهو ما وعدت به السلطة العامة في الجزائر وتجسد في القانون 08/09 المذكور.
وإذا كان القاضي يعود لقواعد القانون المدني و يطبقها على النزاع المعروض عليه،
إن قدر صلاحيتها وملائمتها للمجال الإداري، فانّ مثل هذه المرجعية لا تنفي بحال من
الأحوال استقلالية القانون الإداري وهو ما أجمع عليه الفقه في فرنسا ومصر و الجزائر.[2]
1] لتفصيل أكثر راجع الدكتور محمد الصغير بعلي، المحاكم الإدارية،
المرجع السابق ص 21 وما بعدها.
[2] أنظر الدكتور عمار
بوضياف النظام القانوني لمحكمة تنازع الاختصاص في التشريع الجزائري المجلة القانونية
التونسية، 2003، ص 73 وما بعدها
المبحث الثاني :
أسباب استقلال القانون الإداري:
لقد حاول الفقه خاصة في فرنسا إبراز الحكمة في استقلال القانون الإداري وقدم
مبررات كثيرة لإثبات تميّزه وذاتيته، ولعل أهم ما تمّ التركيز عليه يكمن فيما يأتي:
أ- مبدأ سيادة الدولة:
لقد دافع كثير من رجال الفقه على مبدأ سيادة الدولة كأحد أهم الأسباب الداعية
إلى استقلال القانون الإداري. فقيل أنّ الدولة و الهيئات التابعة لها وهي تمارس مهامها
وتهدف إلى تحقيق المصلحة العامة لا يمكن أن تخضع لقواعد القانون الخاص. ولا يمكن أن
تمثل في منازعاتها أمام القضاء العادي. هذا فضلا على أنّ القانون الخاص يجعل أطراف
العلاقة في مرتبة واحدة. ولا يميز طرفا على الآخر. و من ثمّ لا فائدة من تطبيقه على
علاقات الإدارة بالأفراد أو على الإدارة في علاقتها بهيئات إدارية أخرى.
ومن المفيد التنبيه أنّ النظم الأنجلوسكسونية وتجسيدا لمبدأ سيادة القانون تفرض
أن تكون جهة القضاء واحدة تفصل في كل المنازعات ورأت أن تخصيص قضاء مستقل يعني دون
شك تحيز القضاء لصالح التاج على حساب القانون.[1]
نقد هذا التبرير:
لقد كان هذا التبرير عرضة لجملة من الانتقادات أبرزها:
1- إنّ فكرة السيادة المعتمد
عليها لتبرير استقلالية القانون الإداري ليست فكرة مطلقة فسيادة الدولة لا يعني عدم
خضوعها لأي قانون أو قاعدة[2] إلى جانب أنّ مبدأ السيادة انتقد على أساس أنّه وصمة
عار في جبين المشروعية. ثمّ إنّ الدولة قد تخضع كشخص من أشخاص القانون لقواعد القانون
الخاص لا القانون إداري.
2- إنّ عدم المساواة بين
أطراف العلاقة القانونية الواحدة لا يميّز روابط القانون العام وحده، بل قد يمتد مجالها
للقانون الخاص. و هو ما يتجسّد خاصة في عقد العمل حيث يقف العامل في موضع أقلّ من صاحب
العمل مما يدفعه لقبول مجموع الشروط المفروضة من قبله.
ب- طبيعة المنازعات الإدارية:
لقد أطلق بعض رجال الفقه على القضاء العادي حكما مطلقا كونه غير قادر على حل
المنازعات بين الإدارة و الأفراد. ومن باب أولى سوف لن يكون قادرا على حل المنازعات
بين الجهات الإدارية ذاتها.[ 3]
ويعود سر عدم الاستطاعة هذا من وجهة نظر القائلين بهذا المبدأ إلى كون أن القضاء
العادي يجهل الكثير من عالم الإدارة مما ينجر عنه عدم قدرته على إخضاعها لقواعد تلائم
طبيعتها وتراعي هدف نشاطها.
وتأسيسا على ذلك وجب الاعتراف لجهة الإدارة بقضاء خاص متميّز من شأنه مراعاة
مثل هذه الأمور. ومما لاشك فيه أنّ تخصيص قضاء مستقل ينظر في منازعات الإدارة سواء
في فرنسا أو غيرها من الدول ساهم مساهمة كبيرة في استقلالية القانون الإداري و تثبيت
قواعده وأحكامه المتميّزة عن قواعد القانون الخاص. والحقيقة التي لا يمكن إنكارها اليوم
أنّ استقلالية القانون الإداري باتت أمرا مسلما به في كثير من الدول ومنها الجزائر.
1] لتفصيل أكثر راجع: الدكتور حسن السيد بسيوني، دور القضاء في المنازعة الإدارية،
القاهرة، عالم الكتب، دون تاريخ، ص 17 وما بعدها.
[2] الدكتور أحمد محيو،
محاضرات في المؤسسات الإدارية المرجع السابق، ص 18.
[3] أنظر الدكتور أحمد
محيو، محاضرات في المؤسسات الإدارية، ص 18.
نقد هذا الرأي:
ينبغي الاعتراف أن المتمسكين بهذا الرأي وضعوا اليد على دائرة في غاية من الأهمية
ألا و هي دائرة المنازعات الإدارية. فأثبتوا أنّ المنازعة الإدارية لها خصوصيات كثيرة
تميّزها عن الخصومات الأخرى بما ينبغي التفكير في إحالة النزاع الإداري لقاض متخصص
هو القاضي الإداري. وهو ما برر استقلالية القانون الإداري.
غير أنه يؤخذ على هذا الرأي أنه صادر على المطلوب إذ لا يمكن أن تبنى نظرية
القانون الإداري باعتباره مجموعة قواعد غير مألوفة على فكرة خصوصية النزاع الإداري.
إذ ينبغي إقامة الأسس و الأسباب على قواعد موضوعية لا قواعد إجرائية.
ج- مبدأ طبيعة الخدمة العامة:
ركّز جانب كبير من الفقه على هذا المبدأ لإبراز ذاتية القانون الإداري فقالوا
إن سبب فصل القانون الإداري وتميزه يعود بالأساس لطبيعة الخدمة العامة، فالسلطة العامة
تحتاج للقيام بمهامها (أداء الخدمة العامة) إلى وسائل قانونية تختلف عن تلك المعهودة
في مجال روابط القانون الخاص. فلو أخذنا على سبيل المثال نزع الملكية للمنفعة العامة
لرأينا أن هذه السلطة المعترف بها للإدارة فرضتها طبيعة الخدمة العامة. لأنّه لا يمكن
أن يقرّر النزع لمجرد أنه عملية تهدف إلى حرمان الغير من ملكيته، بل أنه تقرّر بهدف
أداء خدمة عامة كإقامة طريق أو جسر وإنشاء مدرسة وغيرها.
كما أنّ طبيعة الخدمة العامة هي الّتي تقف مبررا للاعتراف بإصدار القرارات وتقييد
الحريات و بتعديل الصفقات العامة و بتوقيع الجزاء على الطرف المتعاقد معها وبسلطة فسخ
العقود بإرادتها المنفردة و غيرها من مظاهر السلطة العامة.
تقدير هذا الرأي:
يبدو أنّ هذا الرأي أكثر صوابا ودقة من سابقيه خاصة وأنّ الطبيعة الخاصة للقانون
الإداري مرتبطة أشد الارتباط بالخدمة العامة لذا باركه كثير من رجال الفقه[4] ونباركه
نحن.
[4] الدكتور أحمد محيو، محاضرات في
المؤسسات الإدارية ص 18.
المطلب الثالث: علاقة القانون الإداري بالقوانين الأخرى
علاقة القانون الإداري بفروع القانون الأخرى :
من المهم أن نبين استقلال القانون الإداري عن فروع القانون الأخرى من خلال بيان
علاقته بهذه القوانين وتحديد أوجه الاتفاق والاختلاف بينها ثم بيان علاقته بعلم الإدارة
العامة.
1. العلاقة بين القانون
الإداري والقانون الدستوري
أوضحنا أن القانون الإداري هو القانون الذي ينظم الأجهزة والهيئات الإدارية
في الدولة , ويحكم النشاط أو الوظيفة التي تتولاها الأجهزة الإدارية لتحقيق المصلحة
العامة .
أما القانون الدستوري : فهو القانون الأعلى والأساس في الدولة , والذي ينظم
القواعد القانونية التي تتعلق بنظام الحكم في الدولة والسلطات العامة فيها والعلاقة
بينهما وحقوق وحريات الأفراد , والضمانات التي تكفلها .
وعلى هذا فإن القانون الإداري وثيق الصلة بالقانون الدستوري , فإذا كان القانون
الإداري يحكم السلطة الإدارية المركزية وغير المركزية , فإن القانون الدستوري هو القانون
الأساسي والذي يسمو على كافة القوانين الأخرى التي يجب أن تتقيد به وتحترم نصوصه .
وبمعنى آخر يضع القانون الدستوري الأحكام الكلية
أو العامة للسلطة التنفيذية , بينما يضع القانون الإداري القواعد التفصيلية التي تكفل
تشغيل الأجهزة الإدارية وأدائها لوظيفتها , فالقانون الإداري يكون بذلك امتداداً للقانون
الدستوري .
وهو ما أبرزه الفقيه (بارتلمي) في معرض تمييزه بين القانون الإداري والقانون
الدستوري فقال : " أن القانون الدستوري يبين لنا كيف شيدت الآلة الحكومية , أما
القانون الإداري فيبين كيف تسير هذه الآلة وكيف تقوم كل قطعة منها بوظيفتها "
. وبسبب تداخل كل من القانونين لتعلقهما بالشؤون الداخلية للمجتمع كونهما يمثلان فرعين
من فروع القانون العام الداخلي , نجد أن الفقه الإنجليزي لا يفرق بين القانون الدستوري
والقانون الإداري ويدرس موضوعات القانونين معاً .
ومع أن الفقه الفرنسي في معضمه يميز بينهما , فإن جانباً في الفقه ذهب إلى انتقاد
محاولات التمييز بين القانون الإداري والقانون الإداري , ودعى إلى دراستهما معاً ,
وتزعم هذا الاتجاه الفقيه دوجي Dugui وجيزJeze , وبوتارBonnaed .
ويمكن إجمال أوجه التمييز بين القانونين بالآتي :-
أ - من حيث الموضوع :- يبحث القانون الدستوري في التنظيم السياسي للدولة من
حيث تكوين سلطات الدولة الثلاث والعلاقة بينهما , في حين يبحث القانون الإداري في أعمال
السلطة التنفيذية الإدارية منها دون الحكومية .
ب- من حيث تدرج القوانين :- يحتل القانون الدستوري قمة الهرم القانوني في الدولة
لأنه يقرر المبادئ الأساسية التي لا يمكن أن تتعداها القوانين الأخرى بما فيها القانون
الإداري الذي يحكم بعض المسائل المتفرعة في المبادئ التي أقرها الدستور .
2- علاقة القانون الإداري
بالقانون المالي
القانون المالي هو مجموعة القواعد القانونية الخاصة بإدارة الأموال العامة في
الدولة, وهو مكمل للقانون الإداري الذي يتعلق بتنظيم الأجهزة والهيئات الإدارية , ويوضح
النظام القانوني الذي يحكم الأموال العامة والحماية القانونية المقررة لهذه الأموال
, وكيفية الانتفاع بها , ومن موضوعات هذا القانون كل ما يدخل ضمن إعداد الميزانية العامة
في الدولة وسياسة وأنواع الضرائب المفروضة والأشراف والرقابة عليها .
3- علاقة القانون الإداري
بعلم الإدارة العامة
يتميز القانون الإداري عن علم الإدارة العامة من حيث زاوية اهتمام كل منهما
فالقانون الإداري يبحث في التنظيم القانوني للجهاز الإداري ووظيفة كل عنصر في عناصره
وعلاقته بالأفراد , بينما تبحث الإدارة العامة في النواحي الفنية والتنظيمية للجهاز
الإداري ويمكن تعريفها بأنها ذلك العلم الذي يهتم بدراسة تنظيم وتوجيه وتنسيق نشاط
المنظمة الإدارية لتحقيق أهدافها العامة على أكمل وجه .
وكما بينا تشتمل الإدارة العامة على مفهومين , مفهوم عضوي , يهتم بدراسة هيكل
المنظمات الإدارية وفروعها , دون البحث في طبيعة النشاط الصادر منها , ومفهوم موضوعي
يهتم بدراسة النشاط الإداري لهذه المنظمات بصرف النظر عن شكل المنظمة التي صدر النشاط
عنها .
ويظهر الاختلاف بين الإدارة العامة والقانون الإداري من خلال طريقة دراسة الموضوع
الإداري محل البحث , فالقانون الإداري عندما يبحث في تعريف القرار الإداري فإنه يركز
عليه كعمل قانوني صادر بالإرادة المنفردة للسلطة الإدارية ويتضمن أثراً قانونياً ,
كذلك يبحث في مشروعية القرار الإداري وشروط صحته ونفاذه , وكيفية الطعن بالإلغاء والتعويض
ضد القرارات غير المشروعة . في حين يعرف علم
الإدارة العامة القرار الإداري في خلال البحث في الكيفية العلمية والواقعية التي صدر
على أساسها القرار وعملية صنعه والمراحل المختلفة التي مرت بها تلك العملية واكتشاف
العيوب والمشاكل التي قد تعيق هذه العملية واقتراح سبل إصلاحها .
وفي مجال الوظيفة العامة يبحث القانون الإداري في المركز القانوني للموظف العام
وطبيعة علاقته بالدولة وشروط تعيينه وحقوقه وواجباته والعقوبات التأديبية التي يمكن
إيقاعها عليه وضماناته تجاهها , ويبحث في طرق انتهاء علاقته الوظيفية , وما إلى ذلك
من أمور تنظمها في الغالب نصوص قانونية .
أما الإدارة العامة فتبحث الوظيفة العامة من ناحيتين , الناحية التنظيمية فيدرس
علم الإدارة العامة طبيعة الوظيفة العامة وأسس ترتيب الوظائف العامة , وتحديد اختصاص
ومواصفات كل وظيفة .
والناحية البشرية حيث تبحث الإدارة العامة عن أفضل نظام إداري لتطبيقه على العاملين
في المنظمة الإدارية , وتعرض لطرق اختيارهم ,ووسائل رفع كفاءتهم وتدريبهم , والارتفاع
بمستوى أدائهم , كما تهتم الإدارة العامة بالحوافز المادية والمعنوية لموظفي الدولة
ودراسة مشاكلهم الوظيفية والنفسية , والبحث في سبل إصلاحها
الخاتمة :
ومن الجدير بالذكر أن القانون الإداري بمعناه الواسع يعني "قانون الإدارة"
أياً كانت القواعد القانونية التي تحكمها قواعد القانون الخاص أم قواعد قانونية متميزة
عنها "قواعد القانون العام" , والقانون الإداري بهذا المعنى موجود في كل
مجتمع سواء اخذ بمبدأ الازدواج القانون أم لم يأخذ .
أما القانون الإداري بمعناه الفني أو الضيق فينحصر دوره بما يطبق على الإدارة
من قواعد قانونية متميزة ومغايرة لقواعد القانون الخاص ولا يوجد بهذا المعنى إلا في
الدول إلى تأخذ بنظام الازدواج القانوني .
ومع أوجه الاختلاف بين القانون الإداري والإدارة العامة فإن بينهما الكثير من
أوجه التقارب , من حيث أنها يتعلقان بالبحث في موضوع واحد هو الجهاز الإداري في الدولة
وأن انحصرت دراسة كل منها بجانب من جوانبه , حتى أننا نجد أنه في الدول التي لا تأخذ
بالازدواج القانوني "النظم الانجلوسكسونية " تشتمل دراسة الإدارة العامة
على النواحي القانونية التي يحكمها من حيث الأصل القانون الإداري بالإضافة إلى دراسة
الناحية الفنية والتنظيمية
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
جامعة زيان عاشور الجلفة
بحث حول :

من اعداد الطالب :
سنة اولى قانون
السنة الدراسية :2016/2017
1 التعليقات :
ملاجع وين لاته